حول العالمرأي

الدروس الخصوصية خطر يهدد انتماء الأبناء

وقد أصبح الأمر في السنوات الأخيرة ملموسا وواضحا

القاهرة:الخرطوم:مدني نيوز
بقلم د/ شاكر صبري – مصر
قديما كنا نخشي أن نقول إننا نأخذ درسا خصوصيا ، فهي تعني أن من يفعل ذلك ضعيف في مستواه الدراسي ، كما أنه يكلف أسرته ويرهقها ، ومغ ذلك فقد كانت الدروس الخصوصية فقط في المواد الصعبة بالنسبة للطالب ومنها اللغة الإنجليزية وربما الرياضيات ، ولكن انتشرت في السنوات الأخيرة أوكار الدروس الخصوصية حتي عدها بعض المدرسين واجباً وطنياً وشيئا لابد منه لإكمال مسيرة التعلم ، وكون بعض المدرسين ثروات طائلة من الدروس الخصوصية ، وقد أصبح الأمر في السنوات الأخيرة ملموسا وواضحا ، إذ لم يعد للمدرسة أي دور أو وظيفة في حياة الطالب غير تسجيل اسمه ، واجتياز الامتحانات التي يعبر بها من مرحلة إلي مرحلة .
ولم تعد الدروس في مادة واحدة أو مادتين بل أصبحت تمثل كل مواد المراحل الدراسية .
وقد اعتبر المدرسون أنفسهم أن المدرس الذي لا يقوم بالمشاركة في هذه الأوكار التي أصبحت علنية مدرس فاشل وعاجزٌ عن الكسب ، يحتج كثير من المدرسين حاليا بأن دخلهم أو مرتبهم الذي يتقاضوه من الحكومة لا يفي باحتياجاتهم ، وأن هذا هو البديل الطبيعي لتحسين وضع المدرس وزيادة دخله باعتبار أنه صاحب حق في الحياة الكريمة ، ومع ذلك فالكثير منهم لم يحسن دخله بل رفع دخله إلي أعلي الدرجاات وبني بدلاً من العمارة اثنين وربما ثلاثة .
يقول محمود عبد الرحمن في موقع جريدة الوفد موقع جريدة الوفد مقال بعنوان ” الدروس الخصوصية تلتهم 40% من مصروفات الاٍر المصرية .
وعلي الرغم من أثرها السيئ علي الطلاب والأسرة والمجتمع ككل، فهي تكلف الأسرة التي يوجد بها طالبان فقط حوالي 40٪ من مستوي دخل الأسرة ، وتكلف الناتج الوطني أكثر من 12 مليار جنيه سنوياً ، بجانب حالة من الارتباك التي تسببها للأسرة والقلق علي الأبناء في رحلة الذهاب والإياب من وإلي الدروس ، وأصبحت مشكلة الدروس الخصوصية أزمة من الصعب القضاء عليها ، لكن الخبراء وضعوا روشتة عمل من شأنها الحد منها حتي يتسني القضاء عليها في فترة زمنية محددة ” .
ولكن المشكلة لا تقتصر علي تحميل الأسرة عبأً ثقيلا فوق كاهلها فحسب ، فليس كل الطلاب سيحققون لآبائهم أمنياتهم ، ليس كل الطلاب متفوقين ، بحكم الفطرة فهناك المتوسط القدرات والمتدني في مستواه الدراسي مهما فيصاب الأب بالحسرة حين يجد ابنه بعد كل ما ينفقه عليه ويحرم نفسه وباقي الأسرة لكي يوفر له ثمن الدروس يجد أنه لم يتقدم للأمام خطوة وأن مجموعه في النهاية لا يحقق له أي كلية من الكليات التي يحلم بها معظم الآباء في مجتمعنا وهي كليات القمة التي تجد سوقا متوفرا للعمل .
ولعلنا حصرنا الآثار السلبية للدروس الخصوصية علي الطالب فيما يلي
1- عدم اكتمال الشخصية ومراعاة شعور الوالدين ، إذ أن الطالب يعيش عبأً علي والديه لمراحل سنية طويلة ، دون أن يقدم للأسرة أي منفعة ، باستثناء فئة نادرة جدا وهي من تعمل وتساعد أسرتها وربما تفوقوا دراسيا كما وجدنا ذلك مع بعض أوائل الجمهورية ومن دخلوا كليات القمة ، ولكن العدد قليل جدا ممن يشعرون بذلك ، إذا كان دخل الأسرة بسيطاً أوْ ربما معدوما أحيانا ، وتبذل الأسرة الغالي والنفيس من أجل تعليم الأبناء ، وربما هم يعلمون مستوي ابنهم العلمي ولكن لكي لا يشعروا بالتقصير في واجبهم تجاه أبنائهم ، فليس باليد حيلة .
2- فقدان الطالب الثقة في من حوله ، وعدم احترام المدرس وعدم وجود قدوة وهو ما يؤدي في النهاية إلي انهيار الأخلاقيات العامة للطالب وفي النهاية المجمتع مع ازدياد عددهم ووجود أجيال منهم
3- فقدان قيمة الوطنية والانتماء واحترام الأكبر وتركيز الطالب في أن يكون هدفه في الحياة من أجل إسعاد نفسه فقط ، لأنه وجد من يجب أن يكون قدوته هدفه الأهم هو مصلحته الشخصية وابتزاز الطالب .
4- فقدان الانتماء إلي المدرسة واحترامها واحترام كيانها ، وهي بمثانة الوطن للطالب فحبه لها وتمسكه بها ومحافظته عليها وتقديسها يعطي قيمة كبيرة للطالب بالوطن وواجباته تجاهه .
5- فقدان المستوي العلمي والابتكار والاعتماد علي الحفظ ، و مساعدة الغير وهو ما يهوي بمستوي الطالب الفكري والنفسي
6- حرمان الطالب من الوقت والاستمتاع به في الرياضة التي هي محور مهم من محاور بناء شخصيته ، أو في الزيارات العائلية أو الراحة لكي يبدأ أوقات جد واجتهاد في المذاكرة بقوة ونشاط
وهو ما يؤثر علي حالته النفسية والمعنوية وتوقده الذهني .
الأضرار التي تعود علي المجتمع
1 – ضياع وقت المدرس في ما لا يفيد المجتمع بل علي العكس ما يضره وما يدمر أجيالا من الطلاب الذين يمثلون المجتمع في الأجيال التالية .
2 استغلال أماكن علي مستوي الدولة كثيرة لأوكار الدروس الخصوصية وهو ما يزيد قيمة تأجير المساكن علي الشباب خاصة من ذوي الدخول البسيطة .
3 وعدم الاستفادة من طاقة كم هائل من المدرسين في ما يفيد المجتمع في وقت الفراغ يمكن أن تستغل طاقة المدرسين في أعمال خيرية أو في أعمال يدوية أو تربية طيور أو حتي للتفرغ لأسرته أو لعائلته وحل مشاكلها وتوثيق الروابط وأحبال الود مع الجميع ، وهو ما يسبب في عدم الاتزان العائلي خاصة أن فئة المعلمين تمثل عددا كبيراً داخل المجتمع ، ويؤدي ذلك إلي استقرار عدم المجتمع ، وزيادة الأمراض النفسية والبلطجة والإجرام خاصة لدي الشباب
عمل المدرس في أي مشروع مفيد في أوقات الفراغ زيادة استثمار وإضافة إلي المجتمع الذي يعيش فيه ما يفيد المجتمع في النهاية والمجال مفتوح ومتاح
قضية الأجور التي يتقاضاها المعلمون هي قضية دولة وتخص كل المواطنين فحين نتكلم عنها فإننا نتكلم عن حال مجتمع كامل ، ومع ذلك فالمعلم الذي حصل علي وظيفة ربما كان أفضل بكثير بمراحل عديدة من الآخر الذي لم يجد أي فرصة عمل وأصبح حبيس الجدران ، هذا في حالة عدم انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية .
وللقضاء علي هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل خطير ومدمر للعملية التعليمية هناك بعض الاقتراحات
أولا : توعية الأهالي وتوضيح خطورة هذه الآفة علي أبنائهم ومستقبلهم النفسي وأهميتها في توفير دخل الأسرة ، ولو أن هذا الأمر يكون صعباً لأن الأهالي يسيرون حسب اتجاه الأغلبية وفي النهاية المحصلة النهائية لأولادهم وعدم ضياع فرص عليهم خاصةً في من يرغبون الحصول علي كليات القمة , ولو أن الكثير من الأهالي يفهم ويعاني لكن ربما لم يستطع أن يفارق الأغلبية خوفاً من ضياع فرصة علي ابنه
الأهم هو الدولة وإجراءاتها الصارمة تجاه هذه الظاهرة بحرمان كل معلم يفتح وكرا للدروس الخصوصية من وظيفته ، و ضبط الحضور والانصراف بالمدارس والرقابة المستمرة علي العملية التعليمية .
توفير فرص طيبة للمعلمين ، بدلا من زيادة الدخل ، توفير مساكن بأسعار رخيصة للمعلمين كما توفرها الدولة لبعض الفئات الأخرى تقديسا لدورهم في تربية الأجيال ، وادخارا لجهدهم من أجل افادة المجتمع وصلاحه .
وضع هيبة المعلم داخل الفصل وإعطائه الكثير من الصلاحيات في العمل كمعلم ، حفاظاً علي كرامته وهيبته وتشجيعه علي الشعور بذاته وإخراج أجمل ما عنده من أجل تأدية رسالته كمعلم فإن فقد المعلم في ثقته بنفسه يجعله يتجه لإشباع رغبة الانتقام من الطلاب بابتزازهم مادياً كتعويض عن فقدانه لثقته بنفسه وسحب الثقة منه .
الاستغناء عن كل طالب يتجاوز في سلوكياته مراحل الفساد الأخلاقي وفصله نهائيا مع الأخذ في الاعتبار ا، هناك مراحل للوصول لهذه العقوبة باعتبار أن التلميذ في مراحله المتنوعة مراهق يحتاج إلي سياسة ورعاية ، وفي حالة تجاوز مراحل يقررها الخبراء في التربية يفصل نهائيا لتوفير الجهد علي العملية التعليمية ، والاستفادة به في مجالات أخري ، وأيضا ليكون عبرة لغيره ، وليترك المجال سهلا مريحاً لغيره من من كان أولي بالاهتمام والرعاية .
إعادة الأنشطة الرياضية إلي المدرسة وإعطاء درجات تضاف إلي نتيجة الطالب في كل المراحل للتفوق الرياضي للحصول علي عقول نشيطة صافية بعيدة عن الأمراض النفسية والكبت ولزيادة ارتياط الطالب بالمدرسة وحتي لا ينمو عنده الاعتقاد بأن الحفظ والتلقين هو الأمل المنشود .
إاعادة الأنشطة المدرسية وحصص الإنتاج المدرسي في كل المراحل وعمل وحدات إنتاجية مبسطة داخل كل مدرسة لعمل ( الأغذية المربات بعض الحلويات أو غيرها من ما الأنشطة ) وإشراف المعلمين عليها كنوع من تنمية مهارات الطفل المختلفة وتنمية وعيه الإنتاجي ، وتنمية الوعي بعمل الفريق وغيرها من الأانشطة المتخلفة التي تربط الطالب بمدرسته وتشعره بالانتماء إليها .
وخلاصة القول
فإن موضوع الدروس الخصوصية موضوع خطير جدا ومؤشر كبير علي انهيار التعليم في مصر إذا استمر الامر علي هذا المنحد ، ولهذا يجب معالجته والتصدي له بكافة الوسائل ، للوصل إلي جيل قوي ينتمي لوطنه يشعر بالمسئولية ، يحترم الأكبر منه ، يتخذ من معلميه ومن آبائه قدوة فنحافظ علي القيم والأخلاق التي يتميز بها مجتمعنا المصري الأصيل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى