الصحافة المحلية في وسط السودان .. الجزيرة أنموذجاً
وفي السودان بدأت الصحافة المحلية في منتصف أربعينيات القرن الماضي

مدني :مدني نيوز
تقرير: عاصم الأمين / ريم عثمان
الصحافة المحلية هي وسيلة مهمة من وسائل الاتصال الجماهيري على المستوى المحلي تعبر عن مشكلاته وقضاياه، ويتـأسس دورها في تنمية المجتمعات المحلية في خلق الرغبة في التغيير والانتقال من حالة التخلف إلى حالة التنمية، وفي السودان بدأت الصحافة المحلية في منتصف أربعينيات القرن الماضي حين أسس الفاتح أحمد النور صحيفة كردفان كأول صحيفة إقليمية في السودان في العام 1945م .
صحيفة الجزيرة
في الإقليم الأوسط بدأت الصحافة المحلية منذ وقت مبكر قياساً بباقي أقاليم السودان، حيث أن الوسط الجغرافي شهد ومنذ عهد مبكر صدور صحيفة الجزيرة والتي كانت تصدر من إدارة مشروع الجزيرة، وهي صحيفة إرشادية متخصصة بجانب تناولها للقضايا الأخرى المختلفة، وكان صدورها في العام 1950م من مصلحة الخدمات الاجتماعية، وكان أول رئيس تحرير لها هو الأستاذ سليمان بخيت والذي عمل بصحيفة الرأي العام، وتعاقب على رئاسة تحريرها في الفترة التي كانت تصدر فيها من مصلحة الخدمات كل من محمد الخير بدوي وجعفر السوري وزكريا جاد كريم ويوسف عبد العال وأحمد دفع الله الكباشي ونجم الدين محمد نجم الدين، ثم تولي رئاسة التحرير بعد أن آلت تبعية الصحيفة لإدارة الإعلام بمشروع الجزيرة صلاح أبو القاسم ثم خلفه أحمد دفع الله المكي وهو أخر رئيس تحرير لها قبل توقفها في 2005م ، وقد انتشر مراسلو هذه الصحيفة على مستوى “تفاتيش” المشروع، حيث كان يراسلها (48) مراسلاً.
صحيفة النيل الأزرق
شهد العام 1965م صدور صحيفة النيل الأزرق والتي أصدرها المرحوم أحمد إبراهيم حمد صاحب مطبعة النيل الأزرق بود مدني وهي سياسية مستقلة استمرت لعامين فقط، وتعتبر هذه الصحيفة التي رأس تحريرها الأستاذ حافظ عبد المنعم أول صحيفة تصدر في الإقليم الأوسط إذا استثنينا صحيفة الجزيرة (صحيفة مشروع الجزيرة).
صحيفة الأوسط
صدرت صحفية الأوسط الأسبوعية في بدايات الثمانيات في الفترة من 1984م وإلى 1986م في عهد المرحوم عبد الرحيم محمود أخر حاكم للإقليم الأوسط في عهد مايو والتي رأس هيئة تحريرها الأستاذ عبد الله الحسن، وكان الأستاذ عبد الحليم سر الختم سكرتيراً للتحرير، وقدمت الوسط تجربة جيدة في الصحافة المحلية وانتهجت خطاً معتدلاً في تناول الشأن العام وفتحت الباب أمام كتاب كانوا يعدون من معارضي النظام آنذاك ومنهم مدثر علي البوشي ومحمد أحمد أبو سن، وقد وجدت هذه الصحيفة دعماً من قبل الحاكم الذي ساند خطها في النقد البناء، وقد ساهم في نجاح تجربة صحيفة الأوسط عدد من الصحفيين منهم سعد عوض وحسن دفع الله امبابي، واستمرت هذه الصحيفة لفترة أطول من الصحيفة التي تلتها وهي صحيفة ود مدني وهي أسبوعية والتي لم تستمر في الصدور لأكثر من عامين، وقد صدرت في بداية التسعينيات ثم تحول أسمها إلى النيلين وكان رئيس تحريرها عمر محمد الحاج وقد صدر منها (13) عدداً فقط.
صحيفة النفير
وفي بداية التسعينات من القرن الماضي صدرت بولاية الجزيرة صحيفة النفير وهي أسبوعية وكان رئيس تحريرها الأستاذ يوسف عمر وحامد محمد حامد نائباً له، غير أنها لم تستمر طويلاً أيضاً حيث توقفت بعد سنتين من الصدور.
مجلة كلمة
وغير هذه الصحف أصدر الأستاذ خالد بحيري في مارس من العام 2009م مجلة كلمة، وهي مجلة ثقافية فكرية، لكنها لم تستمر وصدر منها عدد واحد فقط تناول دور ود مدني في الحركة الوطنية من 1921م وحتى الاستقلال.
صحيفة الجزيرة اليوم “الأمكنة سابقاً”:
من بعد هذه الصحف التي صدرت في الوسط تم إصدار صحيفة الأمكنة في مارس من العام 2010م والتي تحول اسمها إلى الجزيرة اليوم في يونيو من العام 2014م والتي ما زالت مستمرة في الصدور، جاء إصدار صحيفة الجزيرة اليوم بمبادرة من حكومة ولاية الجزيرة في العام 2009م بتبني فكرة إصدار صحيفة ولائية تسهم في مسيرة التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تتطلع له الولاية التي شهدت من قبل تجارب صحفية لم يكتب لها الصمود والاستمرارية بسبب بعض السياسات الخاطئة وشح التمويل الذي حرر شهادات الوفاة لها وهي في مهدها قبل أن تشب عن الطوق.
بدأت أولى إرهاصات إصدار صحيفة في الجزيرة في مداولات اجتماع لجنة الاستثمار 2010م، وكان الاتجاه حينها إلى إصدار صحيفة زراعية، إلا أن الأمر سرعان ما تحول لإصدار صحيفة شاملة تركز على قضايا الولاية وتخدم أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتمت دراسة الفكرة ومناقشتها على ضوء هذه المعطيات ثم الخروج برؤية حول صدورها، وقد تضمن خطاب الصحيفة لمجتمع الجزيرة التعبير عن قضايا وهموم الولاية وإبراز نشاطها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي وعكس إنجازات الأجهزة التنفيذية والتشريعية والشعبية والتعريف ببرامج التنمية والرؤى المستقبلية، فضلاً عن ترسيخ ثقافة السلام والوحدة الوطنية والتعايش بين أبناء الوطن الواحد والتبصير بالمهددات التي تحيط بالوطن.
يقول الأستاذ عبد الله الحسن المدير العام السابق لصحيفة الجزيرة اليوم إن الإعداد لإصدار صحيفة تصدر بالولاية تم بمقر شركة الجزيرة للطباعة والنشر برئاسة السيد الفريق(م) عوض وداعه الذي كلفه والي ولاية الجزيرة الأسبق بهذه المهمة واختير لها أسم الأمكنة وتم صدور ثلاثة أعداد تجريبية من الشركة في حجم التابليود، ثم بعد ذلك انتقلت طباعتها للخرطوم.
لم نقف على أمر تأسيس يقنن للصحيفة ويحدد معالم خطابها، كما لم يصدر قرار بتكوين مجلس الإدارة الذي يفصل المهام لطبيعة العمل الصحفي وأوضاع العاملين وبيئة العمل وإمكاناته المطلوبة، غير أن المخاطبات الأولي لمجلس الصحافة والمطبوعات كانت للتصديق لإصدار صحيفة باسم الأمكنة تصدر عن شركة الجزيرة للطباعة والنشر حيث صدر التصديق على هذا الأساس، كان أول رئيس تحرير للصحيفة هو الأستاذ يوسف عمر قبل أن يتم تغيير أسم الصحيفة “للجزيرة اليوم”، ثم تولي الأستاذ أحمد إبراهيم الإمام رئاسة التحرير حتى يناير 2016 ليعقبه ولفترة قصيرة الأستاذ راشد حامد والذي جاء بعده رئيس التحرير الحالي الأستاذ عاصم الأمين في يونيو 2016 م، وتعاقب على إدارة الصحيفة حتى الآن خمسة مديرون عامون هم الفريق شرطة (م) عوض وداعة والمرحوم عبد المنعم الدمياطي والأستاذ عبد الله الحسن محمد أحمد ثم تولي الأستاذ الهادي على بوب الأعباء كمدير إداري، وجاء بعده اللواء شرطة (م) جعفر بري ثم الأستاذ عمار الزيدابي المدير الإداري الحالي، تطبع الصحيفة والتي تصدر أسبوعياً (5400) عدداً، ثم تراجع العدد إلى (4400) نسخة توزع بالاشتراك على الوزارات وبعض المؤسسات، كما توزع بالمكتبات بود مدني والخرطوم وعدد من الولايات.
ولابد للجزيرة اليوم من أن تستند إلى رؤية علمية وتجربة في الممارسة الصحفية، هذا إذا ما أريد لها أن تقدم أقصى ما يمكن أن تقدمه الصحافة خدمةً للمجتمعات، وهذا يعني الاتكاء على رؤية مبنية على التوصيف العلمي لدور الصحافة في تنمية المجتمعات المحلية ودورها في التنمية السياسية والاقتصادية فضلاً عن الاستفادة القصوى من تجربة الولاية في الصحافة المحلية بالأخذ بما أعطت من ايجابيات وتجنب ما خلفت من سلبيات، وما يميز الجزيرة اليوم هو صمودها واستمرارها في الصدور لعشر سنوات رغم الصعوبات والتحديات التي تواجهها.