منوعات

كسرة الخبز ،شذرات أدبية يكتبها بحبر قلبه الشاعر حسن ابراهيمي

الحديدة:الخرطوم:مدني نيوز

انطباعات بقلم  /أحمد بن عفيف النهاري

 

كسرة خبز ..

من الغلاف الذي أظهر أيديٍ تتقاسم كسرة خبز ، جاءت الأيدي معبرة أيضاً عنا ، مسنون ، صغار ، شباب ، ذكور و إناث …، كلنا في سعيٍ دؤوب لتقاسم كسرة خبز.

الغلاف الخلفي ، حوى رسم و اسم شاعرنا حسن إبراهيمي ، و نصٌ يعبر تماماً عن الحالة الراهنة للمواطن العربي :

بين قضبان الريح ، وقف التاريخ بدون قضية ..

فوق أسرة طفولية ، نامت بدون سلم للأسوار ..

بدون كشف لعيون الأسر

و بدون قداسة بطانة مكثت تغرد للجراح .

منذ الوهلة الأولى نجد انشغال شاعرنا حسن إبراهيمي بهموم محيطه ..

يهدي شذراته التي سكبها بحبر روحه ، إلى روحي والديه الراحلين ، إلى زوجته المخلصة و إلى طفليه فاطمة و يوسف ، و إلى رشيد ابن أخيه ، أهدى شذراته للمؤمنين الأول به و بفنه ، ثم إلى أرواح شهداء كل القضايا النبيلة في كل الدول العربية .

و كما يقول إبراهيمي عنه شذراته أنها نصوص صدحت تنادي حرية / دماء ، شذرات نسجت أغاني للعزة و الكرامة .

بأي لسان يتحدث إبراهيمي ، إنه يتحدث بلسان المعتوهين و الفقراء ، يخاطب الوطن فيقول :

عانقتك في كل كسرة خبز تصدح في الشارع ..

هل كسرة الخبز هي الوطن .. ؟!

هل هي المواطن .. ؟!

أم أن كسرة الخبز هي كل ذلك .. !

تأتي شذرات حسن إبراهيمي صرخة في وجه كل المتملقين ، المتزلفين ..، و في سبيل ذلك لا يرى بأساً من الحياة بكسرة خبز يتقاسمها مع كل الشرفاء ..

يستف الموت إسفلت التأريخ

و بكل أزقة الهزيمة تعوي أشلاء الموتى

و تتراقص دماء الشهداء

لكن هذا لا يعني الانتهاء ، بل إنه البداية ، فبعد كل هذا العويل تدير الحياة وجهها صوب الفجر .

و في شوارع الرصاص تنتحر الأرض رفضاً لإنجاب مدن معادية جديدة ..

نحن يا سادة أمام نص فانتازي يصيبك بالدهشة كلما غصت في أغواره أكثر ..

و لن نجدف إذا قلنا أن الشاعر يمتلك خيالاً خصباً مليئاً بالصور و التراكيب الشعرية التي تجعله يطوع كلماته حيثما شاء ، فإن أراد كلماته رومانسية رقراقة جاءت كأعذب ما تكون الموسيقى الشعرية ..، و إن أرادها واقعية ، قرآنها كما لو كانت رواية من روايات مكسيم جوركي ..، و إن هو جاز له أن يعلنها ثورة ، فإن كلماته تأتي كأنما هي صرخات كل الثائرين ..

في العادة أنا لا أحب كتابة آرائي الانطباعية حول النصوص التي أكتبها ، فأنا أعتقد بأني لن أضيف للنص شيئاً بكتابة رؤاي و انطباعاتي حول النص أو الناص ، لكن حصولي على نسخة من كتاب كسرة خبز ، جعلني أسجل انطباعي مجبراً ، كرد جميل و لو بسيط لهذا المواطن العربي الذي سخر فنه و أدبه لقضايا أمته العربية ..

هذا الشاعر الذي يرى الانعتاق في معانقة الشظايا ، فحينها فقط تكون معانقة السنابل .

و هو في كل ذلك لا يرى نفسه إلا شمعة تسمو باحتراقها ، لمنحنا بصيصاً من ضوء .

يتساءل الشاعر ، من سيضيئ هذا الصباح .. ؟!

و جوابنا من غيرك هذا الذي سيضيئ لنا عتمة هذا الزمن المظلم .. ؟! ، أنت و إلى جوارك كل الشرفاء ..

قديماً كان الالتباس في النص أمرٌ معيبٌ للنص ..، اليوم لم يعد لهذه الرؤية أهمية ، بل إن الالتباس في النص يعزز من قيمة النص ، و أنا ضد تجنيس النص بشكل مطلق ، بل في حدود معينة .

و إذاً فإن الشاعر أراد لنصه أن يكون شعراً ، لكنه و مع تسلسل أفكاره و توارد خواطره ، و انشغاله بمحيطه و اندماج أناه بنحن ، فقد ألتبس الأمر عليه ، فلا هو كتب قصيدة ، و لا هو كتب قصة ، و لا هو ذاك الذي قال خاطرة ، بل إنه سبك كل ذلك في سبيكة نفيسة واحدة أعطاه جنساً هو شذرات أدبية ، و هو موفق كل التوفيق إذ أعطى كتابه هذا هذه الجنسية ـ شذرات أدبية ـ ، و من المعروف أن الشذرة هي قطعة الذهب ، و شاعرنا أراد لديوانه أن يكون قطع أدبية ، لكنه جاء كسبيكة واحدة ..

أسلفت سابقاً أنني ضد التجنيس الأدبي إلى حدٍ ما ، لكن لو تحدثنا عن الشذرة ، فربما نكتفي بما قاله نيتشه حولها : ” إن مرماي أن أقول في عشر جمل ما يقوله غيري في كتاب بأكمله ” ، و إذاً هذا ما نجح فيه شاعرنا إبراهيمي تماماً ، فقد قال ما يقوله أفصح الشعراء في مطولات القصائد ، و ما كتبه الروائيون في رواياتهم القصيرة و الطويلة .

يمضي شاعرنا بانشغالاتنا ـ نعم انشغالاتنا لا انشغالاته الشخصية ـ ، فلا خاص عنده بل عام ، من أحوال المواطن البسيط ، إلى قضايا الأمة العميقة .. ، و هو هنا يؤكد عبر قوله بأن عيون الأفاعي لا تلين إلا عندما تتساقط مسافات جحورها و هنا يأتي انتهاؤها .

بدون إشعارٍ لأحلامنا

يدهس النفاق

مصائرنا أشلاء

موزعة بسكك الزمان

هل يكتب إبراهيمي قصيدة ، ام أنه يرسم بريشة ناجي العلي مصائرنا .. ؟!

و بين هذا و ذاك بين الشاعر و الرسام ، بين الراوي و المواطن ، بين القضية و كسرة الخبز تبقى قضية حسن الإبراهيمي هي الانشغال بهم المواطن العربي من المحيط إلى المحيط .

تحية لنبلك و لأدبك و فنك الرفيع .

 

انطباعات احمد بن عفيف النهاري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى