كسرة خبز ، شذرات من ذهب يكتبها حسن الإبراهيمي
الشذة في اللغة من الجذر ( شذر) صغار قطع المعدن وغالبا ماتطلق على شذرات الذهب ويقال:

صنعاء:الخرطوم:مدني نيوز
قراءة / نبيل قاسم
الأدب مرآة الحياة والصورة الصادقة لها والأديب قلبها النابض بكل تفاصيلها وأحداثها فعندما يعايش واقع أمته ويلتقط بعدسة إحساسه صور الحياة ومايموج فيها من أحداث فينفعل بها ويخمرها بوجدانه ويمنحها مشاعره وأحاسيسه ثم يختار لها الثوب المناسب سواء شعرا أو نثرا ويخرجها مؤثرة لتحمل رسالتها السامية وتؤدي دورها في حياة الناس
وقد اختار الأديب لأفكاره أسلوب الشذرات الأدبية
وعندمانتحدث عنها فإننا نخوض في نص مختزل ولقطة عميقة حكيمة وقبل هذا يجب أن
نعرفها
الشذة في اللغة من الجذر ( شذر) صغار قطع المعدن وغالبا ماتطلق على شذرات الذهب ويقال:
( ذهبت غنمك شذرا مذرا) أي تفرقت ومن التعريف يمكن أن نأخذ مايلي.
-الشذرة جزء من موضوع وقضية كبرى تختزل بعبارة قليلة
– الشذرة عبارة نفيسة باعتبارها تشبه بالذهب
-الشذرات عبارات متفرقة في كل مجالات الحياة
والشذرة الأدبية هي:
عبارة موجزة بليغة ليست بالخاطرة وليست بالومضة وتقترب من الحكمة تتميز بالتكثيف والإدهاش والعمق والترابط في البناء وقد تناقش قضية كبرى أوظاهرة أوقضية ذاتية وهما إنسانيا.
والشذرة متناثرة في التراث العربي والإسلامي فجوامع كلم الرسول صلى عليه وسلم شذرات بوصف دلالاتها لاتحصر ولاتنتهي وأقوال بعض الخلفاء وتوقيعات العباسيين تمثل شذزات أدبية متنوعة فقد تكون سياسية أو اجتماعية أو فلسفية وتتميز بترابط أجزائها والتكثيف والقوة والإدهاش والعمق والإقناع بمخاطبتها للعقل والعاطفة في آن واحد فتختزل موضوعا ما يهم المجتمع والناس وتقدمه بطريقة موجزة دون إسهاب أو تطويل وقد تقدم بطريقة ساخرة لمعالجة موضوع ما بأسلوب لاذع
وبالنظر للعنوان (كسرة خبز) فإنه بحد ذاته يحمل دلالات متعددة اجتماعية وسياسية من إشارة للجوع ولحياة الشظف والبؤس والدعوة ضمنا لتغيير هذا الواقع المؤلم وعدم القبول به ولا الرضوخ له
وينذر بثورة جياع قادمة وهي أشد الثورات ضراوة فالجوع قاتل لا يرحم ولاسبيل للإفلات من مخالبه إلا بالتمرد والانتصار عليه ولاقيمة للحياة في قيود الذل والتسلط والقسوة وبدون رفضه ومقاومته يكون الموت المحقق
لاتسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنضل
وبالتالي فالعنوان يحمل رؤية تحررية متمردة على البؤس والمعاناة
سيجازفون ببؤسهم وخيامهم وبكسرة الخبز التي يبست على فمهم نعم
ويفجرون الأرض تحتك أيها الغبش الدخيل
لكنها رؤية عقلانية قارئة لأحداث الواقع مدركة لملابساته معدة لمتطلبات النزعة التحررية مؤمنة بالنتائج مسبقا وإن قدمت في سبيلها التضحيات وتحملت في سبيلها الآلام فربما أخفقت بعد ذلك وكتب لها الفشل حينا لكنها ستصل للنتائج المأمولة ولوبعد حين
فدماء الشهداء جسور عبور لها وأنوار هداية للوصول إليها وقيود السجان أسلحة النصر
ففي القتلى لأجيال حياة
وفي الأسرى فدى لهمو وعتق
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
والأهم في هذه الرؤية عدم اليأس عند أول محطة شائكة إذ لابد من اجتثاثها ثم مجاوزتها بإصرار للوصول لما بعدها
ويظهر في هذه الشذرات الامتزاج الكامل ببن الأرض والإنسان فالأرض ترفض أن تلد مدنا جديدة في ظل البؤس الذي يفرضه أعداء الحياة إلا أن دماء الشهداء والتضحيات التي يخلدها التاريخ مع ماتخلفه من أحزان تبشر بفجر قادم يقهر الجلاد الذي يحاول جاهدا إعاقة النور دون جدوى
ألا أيها الظالم المستبد
حبيب الفناء عدو الحياة
سخرت بأنات شعب ضعيف
وكفك مخضوبة من دماه
وعشت تدنس سحر الوجود
وتبذر شوك الأسى في رباه
يتجلى ذلك من خلال مجموعة من الرموز المستوحاة من الطبيعة والواقع فالسماء لاتقف مع من لا يقف مع نفسه ويركن إليها دون إرادة وبذل
ولا دخل للعمامة التي اهتمت بالقشور وأصبحت صوتا للقصور لتخليها عن دورها الحقيقي الذي شهده الزمن لفترات طويلة عندما اهتم رواد المسلمين الأوائل بالعلم وطبقوه وأضاؤوا سماء الحضارة الإنسانية في قرطبة وغرناطة ودمشق وبغداد والقاهرة وغيرها من حواضر العالم الإسلامي
والدين الذي دعا للعلم بريء ممن تخلوا عن أمر من علم بالقلم وعلم الإنسان ما لم يعلم لعزوفهم عن العلم الواسع نظريا كان أو تطبيقيا –
بل تبارك جهود من رسموا الآمال وشمروا سواعدهم لتحقيقها
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
وأحداث الواقع والتاريخ شاهدة على ذلك
فالشموع تحرق نفسها لتنير غيرها ولتطرد الظلام عنهم والنوم لاينام في عيون الشهداء والأشجار تتطلع للأعالي وتمد جذورها في الأعماق وتظل تقاوم عواصف الأيام وتعطي الخير لغيرها وكلما مر عليها فصل زادت نماء وقوة وإذا كتب لها الموت فلا تموت إلا واقفة بثبات وشموخ
لقد أجاد الكاتب وأبدع في استحضاره لشذراته ومن أجملها لتوفر كل متطلباتها بما فيها من تكثيف وإدهاش شذرته التالية :
سأ لت ابني عن السبب في
وقوف الأشجار… فأجاب لأنها لا تميز بين الليل
والنهار … ثم أضاف أيضا لأنها لا تصاب بالتعب…
أيضا أضاف لمنع ثمارها من السقوط .
فالألفاظ فيها موحية والمعاني مكثفة والأفكار عميقة والصورة واسعة ممتدة والأسلوب الحواري التعليلي شكل لقطة ممتعة وحكمة خالدة .
قد نتفق مع نقد الكاتب للوضع الديني المترهل بسبب بعض الأدعياء على الدين الذين تجاوزوا حدوده وتجرؤوا على الله باسمه فأحلوا وحرموا وفعلوا الموبقات وقتلوا وسفكوا الدماء باسمه
لكنا ننتقد الكاتب في جرأته وتطاوله على الله ووصفه بصفتي نقص في إحدى شذراته من تعب وامتطاء وكان الأحرى به أن يجتنب ذلك فلله الكمال المطلق .