تقارير
أخر الأخبار

معوقات أمام تطبيق الديمقراطية في السودان

أثبتتها دراسات علمية

تقرير/ راشد حامد عبدالله

من أهم المقولات الشائعة عن الحكم الديمقراطي والتي يمكن القول بأنها ذات وصف بليغ للعملية الديمقراطية مقولة الرئيس الأمريكي (لنكولن) “لا يحق لأي شخص أن يحكم الآخرين دون رضاهم” حيث أن الدولة أو الحكومة الديمقراطية ما هي إلا حكومة من الشعب وللشعب.

وبالتالي يصبح الهدف من الحكم الديمقراطي هو صيانة حقوق المواطن وكرامته وتشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما تحتويه من توفير الخدمات واحتياجات أساسية كالتعليم والصحة والمسكن والملبس والغذاء مما يتيح الوصول لاستتاب الأمن وتحقيق الرفاهية في ارجاء المجتمع.

(لنكولن) يقول أيضاً: “إذا ضاق الشعب ذرعاً بحكومته فله مطلق الحرية الدستورية أن يغيرها” مقولات تثبت حقيقة واضحة وهي أن للحريات العامة علاقة وثيقة بالديمقراطية وتطبيقها.

*تطبيق الديمقراطية

تعاني الديمقراطية كواحدة من أهم أدوات وأساسيات الحكم العديد من المشكلات التي تجعل من إمكانية تطبيقها أمراً يتعلق بضرورة وجود مجموعة من المتطلبات لنجاحها خاصة في مجتمعات دول العالم الثالث والتي يعتبر السودان واحداً منها.

ولأهمية الموضوع؛ أثارت ورقة علمية أعدتها الباحثتان بكلية الاقتصاد والتنمية الريفية جامعة الجزيرة د. ميرفت عبدالله جبريل؛ والأستاذة حنان محمد أحمد علي تساؤلاً مهماً حول ما هي أهم معوقات تطبيق الديمقراطية في السودان؟

وذلك في مسعى للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بأهم مظاهر الديمقراطية في السودان، وكيف يمكن تقييم التجارب الديمقراطية التي حكمت السودان، وما هي أهم المتطلبات الواجب توفرها لتحقيق الديمقراطية في البلاد، وما هي معوقات تطبيقها، وإمكانية التنبؤ بمستقبلها؟.

ومن واقع فرضيات الدراسة يبدو أن هنالك مظاهر متعددة للديمقراطية يتمثل أهمها في الحريات بكامل أشكالها، بجانب أن التجارب الديمقراطية عانت من القصور في تطبيق الديمقراطية في السودان إضافة إلى العديد من المشكلات..

وهنالك العديد من المتطلبات الواجب توفيرها لتحقيق الديمقراطية، منها تحسين الأوضاع الاقتصادية ورفع الوعي في أوساط المجتمعات.

ومن أهم معوقات تطبيق الديمقراطية في السودان، ضعف الثقافة السياسية ودور الأحزاب السياسية، إضافة إلى العديد من الممارسات، ويمكن التنبؤ بمستقبل الديمقراطية في السودان من خلال العديد من السيناريوهات والقراءات التحليلية.

*متطلبات تحقيق الديمقراطية

وفي جانب متطلبات تحقيق الديمقراطية في السودان، يبرز أولاً تطبيق الحقوق والحريات العامة؛ هنالك مجموعة من الحقوق والحريات العامة التي تمثل الأساس الراسخ لأي نظام ديمقراطي أينما وجد وعند غياب هذه الحقوق الأساسية لا يمكن الحديث عن بناء ديمقراطي سليم يحترم رأي الشعب ويسعى لمصالحه.

لذا تتسم الحقوق بالشمولية والعمومية بما يسمح بتطبيقها في أي نظام قانوني وأن يقبلها أي مجتمع منها كانت الظروف السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي يعيشها.

من ذلك الحقوق الأساسية:  كحق الحياة ـ الحق في الحرية ـ الحق في الأمن والسلامة الشخصية، بمعنى الحرية الشخصية في التفكير، الحرية الشخصية في الانضمام الى المؤسسات السياسية، حرية الإعلام في تقصي أخطاء الحكومة والإبلاغ عنها، حرية الأحزاب في التجمع والتعبير وانتقاد الحكومة.

وبالرجوع لتحليل متغيرات الدراسة فإنه لم يحدث تغيير في مستويات الحرية الشخصية مقارنة بالسنوات السابقة، أما بالنسبة لحرية الانضمام الى المؤسسات السياسية ففيها هامش حرية أكثر إلى حد ما مما كانت عليه؛ مقارنة بالسنوات التي سبقت العام 2018م.

وفيما يتعلق بالحرية الشخصية في الأمور السياسية دلت المؤشرات على أنه لم يحدث تغيير في هذا الجانب مقارنة بالسنوات السابقة. أما بالنسبة لحرية الانضمام الى المنظمات السياسية فقد تأكد ثباتها على ما هي عليه؛ مقارنة بالسنوات التي سبقت العام 2018م..

أما فيما يخص حرية الإعلام فقد تبين أنه لم يحدث تغيير في هذا المتغير، وبخصوص حرية الأحزاب في التعبير والتجمع السياسي فقد بقي الوضع على ما هو عليه.

وفيما يتعلق بالحرية الشخصية في الأمور السياسية لم يحدث تغيير مقارنة بالسنوات السابقة. أما بالنسبة لحرية الانضمام إلى المنظمات السياسية فقد تأكد ثباتها على ما هي عليه.

*قراءات

وأثبتت النتائج الاحصائية المستندة على إجابات المبحوثين عن الوضع الاقتصادي الحالي في السودان، عدم حدوث تغيير نحو الافضل بشكل عام، وجاء تقييم الوضع بأنه سيء إلى حد ما.

وأدت الانقلابات في السودان إلى عدم نجاح المشاريع الديمقراطية، حيث تأتي نتيجة لمبررات سياسية وأيديولوجية وتمكث لفترات أطول في السلطة. الأمر الذي يفرز ثقافة ثورية تعمل بشكل مغاير للتوجهات الديمقراطية ولا تحافظ على حقوق الانسان المدنية والسياسية.

وتبرز أيضاً النزاعات والحروب الأهلية الداخلية؛ وهي النزاعات بين أبناء الشعب الواحد فقد عانى السودان وما يزال يعاني العديد من الحروب والنزاعات الداخلية الأهلية مثل مشكلة دارفور التي تأتي جل اسبابها أو ترجع إلى ضعف عمليات التنمية وعدم التوزيع العادل للثروة وعوامل التهميش والإقصاء لفئات أو أقاليم بعينها دون الأخرى.

ويتمتع السودان بتنوع عرقي وإثني كبير على امتداد أقاليمه المختلقة؛ وقد شكل هذا التنوع مصدر تهديد وإضرار بمظاهر الديمقراطية، ويرجع ذلك إلى فشل الحكومات الوطنية المتعاقبة في حسن إدارة التنوع الموجود في البلاد..

الأمر الذي خلف العديد من المظاهر السلبية المتمثلة في التمرد العسكري والذي تطور في أشكاله لتبرز الحركات المسلحة بتنوعها وتعدد أجنحتها فهي في العادة جماعات مطلبية تتبع لإقليم معين تطالب باحتياجات أو قضايا تنموية وعندما تفشل في الوصول إلى حل فإنها تلجأ إلى العمل المسلح.

وقد ازدادت انشقاقات الحركات المسلحة فكونت العديد من الأجنحة والفصائل الأمر الذي زاد من حده المشكلات الأمنية.

ويبرز كذلك عدم التداول السلمي للسلطة؛ فعدم إتاحة الكيانات والزعامات المجتمعيه لفرص المشاركة السياسية ومحدوديتها؛ أدى إلى إضعاف مستويات الرغبة والاهتمام بالمشاركة السياسية..

ودلت إجابات المبحوثين أنه لم يحدث تغيير في فرص أحزاب المعارضة أو المجموعات المستقلة من ناحية حرية الترشيح والتعبير وتنظيم التجمعات السياسية أو إبداء آرائهم أو انتقاد الحكومة مقارنة بالسنوات القليلة الماضية.

*مستقبل الديمقراطية 

تعرضت التجارب الديمقراطية التي شهدها السودان منذ الاستقلال وحتى الآن إلى كثير من النقد والتحليل وإعادة النظر في الثوابت والبديهيات التي سادت التاريخ السياسي خلال العقود الماضية ووصل الأمر الى درجة بروز تيار متزايد التأثير يرى عدم صلاحية الديمقراطية بشكلها البرلماني التعددي الذي مورس في السودان من فترة الى أخرى؛ وذلك ناتج من دائرة السياسة السودانية التي تبدأ بديمقراطية ثم انتفاضة وبرلمان ثم انقلاب عسكري وهكذا.

وبحسب الورقة؛ فإن النظام الديمقراطي يعتبر هو النظام الأمثل للحكم لجميع الدول، كما أصبح في الآونة الأخيرة من أهم مطالب الشعوب التي وصلت إلى درجة من الوعي بالحقوق والحريات..

وقد أثبتت التجارب الديمقراطية في دول العالم الثالث انها تواجه بالعديد من المعوقات التي تحد من إمكانية تطبيقها، ويعتبر السودان من أبرز تلك الدول..

فبالرغم من كثرة تجاربه في ممارسة الديمقراطية منذ استقلاله والى الآن، الا أن هنالك عدد من المعوقات التي تحد من تطبيقه للديمقراطية المتمثلة في ضعف البناء السياسي كضعف الأحزاب السياسية في القيام بأدوارها المجتمعية والسياسية، وغياب الممارسة الديمقراطية داخلها، وكذلك البناء الاقتصادي المتمثل في استمرار التدهور الاقتصادي، الذي يشكل تحدياً أمام تطبيق الديمقراطية في السودان إلى الآن.

*نتائج وتوصيات

خلصت الورقة إلى عدم اهتمام النخب السياسية بالعملية الديمقراطية حرصاً على التمسك بالسلطة أكثر من ممارسة الديمقراطية..

ووجدت أن معظم معوقات تطبيق الديمقراطية في السودان ليست وليدة اليوم، وإنما هي تراكم لتجارب تاريخية قديمة، بجانب عدم إتاحة الحقوق والحريات العامة، والتدهور الاقتصادي، والفشل في إدارة التنوع والتعدد الثقافي الذي أفرز الحروب الأهلية في السودان.

وبناءً عليه جرت التوصية بإتاحة المشاركة السياسية، وتحقيق التداول السلمي للسلطة، ودمج الأحزاب السياسية المتشابهة البرامج من برنامج سياسي واحد بعيداً عن الطائفية، تجنباً لمظاهر الخلاف والانشقاقات الداخلية، ونشر الثقافة الديمقراطية والقبول بالآخر عن طريق مؤسسات التنشئة السياسية التي تبدأ من الأسرة والمدرسة..

بالإضافة لتحسين الأوضاع الاقتصادية بالسودان من خلال إقامة مشاريع التنمية الاقتصادية، مع الالتزام بالتوزيع العادل للثورات بين المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى