رأي

تيسيرمحمد عوض تكتب …فلسفة الابتلاء

خربشات على جدار الواقع 10

الرياض:الخرطوم:مدني نيوز
تيسير محمد عوض-السعودية

هل الفشل ابتلاء ؟
والفقر’ والمرض ‘ والموت ‘.

نعم قد يأتيك الابتلاء بصور عديدة
(الفشل والمرض والموت،ابن عاق ،زوج مقصر ،تاخير انجاب ،تاخير زواج ،الفراق ، …..،الخ…)
قد يكون نعمة وقد يكون نقمة
قال تعالى :
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .﴾

لايوجد انسان على وجه البسيطة خُلِقَ وهو ناجح وإنما يكون النجاح بالسعي والاجتهاد والكد ، طريق طويل شاق ويتم عبر عدة مراحل،كل مرحلة تمر عبر منعطفات ومطبات ومنحدرات والحصيف من يدرك ان هنالك منعطف اخير اخر النفق لابد من اجتيازه بمهارة …
ولكن مذاق ولذة وشعور النجاح بعد الفشل لها طعم مختلف ،نشوة الانتصار وبلوغ المجد شعور لايضاهيه شعور ،بيد انه من تعلم من الفشل يكون اكثر حذراً من الوقوع في غياهب الجب مرة اخرى …
وشتان مابين هذا وذاك ،من تعلمه الحياة بدروسها وعبرها سيكون اكثر حكمة واتزان وعقلانية وموضوعية في تعاطيه للامور ،عكس من يناله دون عناء وتعب وبذل جهد ،وقد يكون الفشل بداية الطريق الى النجاح أو قد يقودك الى الاتجاه الصحيح …
الحياة الدنيا دار اختبار وتعلُم ،نتعلم من إخفاقاتنا ومن خيباتنا ، من الصدمات والخذلان والغدر،من المواقف
كل هذه الصفعات المؤلمة ،وكل هذه التجارب القاسية ،ستعيد تشكيلك الداخلي من جديد اذا كنت شخصاً هشاً قابل للانكسار ،سرعان ما تقع فريسة لعسراتك ، ستحيلك بلاشك الى انسان اخر اكثر قوة وصلابة وتحمل ومرونة في تعاطيه مع النوازل ، المقياس الحقيقي للمرء وقت الشدة وليس عند الرخاء،ففي اليسر الجميع رائع ومدهش وجميل ولكن عند الملمات والعسرات تُغربل العلاقات وتظهر المعادن النفيسة الاصل غلاب ،وليس كل مايلمع ذهباً ،بعدها تقرر من تصطحبه معك لتكملة المشوار،وحتى الابداع يولد من رحم المعاناة ،والعطايا تخبأ في ثوب البلايا …

ولولا المرض لما استشعرنا نعمة الصحة والعافية ،قد تلهينا الحياة وننغمس في ملذاتها الخيرات والنعم وننشغل في معتركاتها ،ولكن سرعان ما تتبدد تلك الحالة بحادثة او بنتيجة تشخيص في لحظة ما ،فدوام الحال من المحال،يسر يعقبه عسر وعلى النقيض شدة يعقبها رغد ،ليس بالضرورة ان تكون انت المريض او المصاب ، ربما شخص عزيز لديك قريب اوصديق ،حبيب او سندك في هذه الدنيا ،هنا ستنقلب الحياة رأس على عقب ،ستشعر حينها بدوار،صعوبة في الرؤية والتنفس ، لاتعي بمن حولك ، ثقل يجثم فوق صدرك ، وتظلم الدنيا في وجهك وتخنقك العبرات ،وتجتاحك رغبة بعدم تصديق ذلك الامر من هول الصدمة في الحقيقة انك امام امتحان عسير تحتاج الى وقت ليس باليسير لان تصدق مايحدث ،تتملكك رغبة جامحة ان تكون في حلم ولا تود ان تستيقظ من نومك العميق ، او انك في عالم اخر ،ولكن سرعان ما تستدرك انك امام الامر الواقع ، وهنا المحك الحقيقي ،اما ان تستسلم وتفقد السيطرة على نفسك او ان تتقبل الوضع الذي انت فيه ، تبدل الحال بين عشية وضحاها فالاقدار لاتنتظرك ان تستعد لها تأتيك بغتة على غفلة دون حتى استئذان لاتطرق أبوابك لتعلم ماهية احوالك ،وهل انت مستعد لاستقبالها ام لم يحن الاوان بعد ،على اي حال انت امام مواجهة عنيفة فالأفضل ان يكون إيمانك أقوى ، وتشعر بالرضا التام تجاه إرادة الله وإيماناً بالقضاء والقدر …
نعم نتضجر ،تارة نبكي وتدمع العين بدمع سخين ، وتارة نستجمع قوانا غصباً عنا ،نصبح اكثر حساسية ونشعر بعدم القدرة على مواصلة الحياة ،هذا احساس طبيعي ولكن سرعان ما نتأقلم مع الوضع الجديد ونلجأ الى الله ونلح بالدعاء ان ينعم علينا وعلى احبابنا بنعمة الشفاء والصحة والعافية ،احياناً الدعاء يغير الأقدار فلاتقنطوا من رحمة الله …

في هذه الحياة كل شيء قد يشوبه الشك الا حقيقة الموت فلا جدال فيها ،كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام …
(كل نفس ذائقة الموت)
هو مصير الأولين والاخرين
وموت عزيز لديك ابتلاء عظيم
لايستطيع المرء استرداد مامضى أو صد قدرٍ اتٍ ،انه هادم اللذات ، عسير علينا ان نتصور الحياة من غير احبابنا،عندما نفقد عزيز نشعر بهزة داخلية قوية من لوعة الفقد والحرمان هذه الهزة ميلاد حياة مغايرة ،نعم عند هذا الموقف الرهيب ترحل حكمتنا ولاتبقى سوى الفاجعة وحرارة الدمعات ،ما امر الفراق، رحم الله كل عزيز رحل عنا يارب طيب ثراهم ،واكرم مثواهم ،واغفر لنا ولهم …
وربما تلك الصدمة القاسية تعيد لاهياً مستغرقاً في ملذات الدنيا الى رشده والطريق المستقيم …
هذه الهزات العنيفة تصحح مسار الاخيار وتعيد بنائهم الداخلي وتجعلهم صالحين أبرار …
وربما دور هذا الشخص الذي فقدته مقدر له ان ينتهي عند تلك المرحلة لحكمة بالغة يعلمها هو ،فموت عزيز ليس نهاية الدنيا فصبر جميل والله المستعان …
ولربما لك حياة آخرى مع شخص اخر كان لابد ان تجتاز ذلك الامتحان الصعب ، لتهيئتك لمهمة اصعب ،قد لا يتناسب وضعك القديم والمهمة الجديدة ،لكن كُن على يقين تام
ما أخذ الله منك الا ليعطيك
وماعصفت بك الحياة الا لتمنحك
ولَم تفقد شيئاً الا عوضك عنه أضعاف مضاعفة …
لذلك امر المؤمن كله خير ،اذا إصابته سراء شكر واذا إصابته مصيبة صبر
والانسان مسير وليس مخير كما يدعي ذلك المخلوق الضعيف ،ولولا نعمة النسيان ،أغرقتنا الاحزان،والله المستعان …

لذلك اذا عرفنا مغزى الحياة فالاندى من كل ذلك ان نزرع الأنغام والمحبة والاحترام والسلام وحلو الكلام ، بدل الألغام وخناجر الالم في نفوس احبابنا ومن حولنا ونجنبهم مر الكلام …
هي دعوة للرجوع ومحاسبة النفس قبل فوات الاوان فالحياة قصيرة ومن يراهن على انتصار الشر هو الخسران …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى